السبت 2017/09/23

مبادرة الاتحاد الأوربي الجديدة…بقاء الأسد مقابل السماح للثوار بالبقاء على قيد الحياة

الجسر للدراسات...

نشر المجلس الأوربي للعلاقات الخارجية بتاريخ: 12/09/2017، مبادرة جديدة حول الحل في سوريا بعنوان "إنهاء الحرب: دور أوروبا في عملية السلام في سوريا". وسيتم مناقشة هذه المبادرة في اجتماع رسمي للاتحاد الأوربي في بروكسل مطلع الشهر القادم لإقرارها، وتكليف الرئيس الفرنسي ماكرون بحملها وتسويقها دولياً.

الأوربيون ومنذ اليوم التالي لنشر المبادرة أي في 13/9/2017 بدؤوا بإرسال وفودهم "لإقناع" المعارضة بها، وحمل أحد تلك الوفود تهديدات صريحة بأن من سيرفض هذه المبادرة سيجد نفسه "خارج العملية السياسية"، وهي إشارة إلى استكشاف أولي لردود الفعل حولها، وعلى أساس ذلك سيتم دعوة الموافقين عليها إلى مؤتمر الرياض 2 الشهر القادم.

الورقة هنا تعيد ترتيب أفكار المبادرة الأوربية حسب المحاور الرئيسية فيها، بحيث تجتمع بشكل متسلسل في كل محور، ومن ثمّ وضع نقد عام لها، وأخيراً توصيات لموقف للمعارضة من هذه المبادرة.

أسباب طرح المبادرة الأوربية:

يبرّر الأوربيون مقترحهم بأن فشل المفاوضات على مدى السنوات الستّ الماضية كان سببه الرئيسي وضع السياسة كأولوية قبل قضية وقف إطلاق النار، لذا يوصي المقترح بتبني مسار "خفض التصعيد" مع ربطه بمسار "سياسي وطني"، ويرى المقترح أن الجهود الحالية الرامية لخفض التصعيد محكوم عليها بالفشل؛ كونها تفتقر إلى وجود مسار وطني سياسي فعّال مرتبط بترتيبات وقف إطلاق النار، وبدون وجود غطاء سياسي استراتيجي شامل، تبقى كل اتفاقات وقف إطلاق النار معرضة للزوال أو تمهّد لمرحلة جديدة من "الحرب الأهلية".

يتحدث المقترح عن خطأ الاتحاد الأوربي في أن الإصرار على الربط بين خفض التصعيد وجدول الأعمال الانتقالي -الذي لا يزال الخط الأوروبي الرسمي -له نتائج عكسية، وفي الواقع، فإنه من المرجح أن يقوض أي مبادرة للتخفيف من حدة التصعيد، ويغذّي مخاوف النظام المذعور من تقديم أي تنازلات، كما إنه سيشجع طموحات المعارضة الأقل واقعية.

تقترح المبادرة مباشرة العمل على مسار انتقال وطني فوري يراعي مصالح النظام، مع الأخذ بعين الاعتبار هيمنته العسكرية، التي تمثل أداة ضرورية لضمان استمرار الاتفاقات المحلية، فقد صار من الواضح الآن أن أي عملية سياسية قابلة للاستمرار لن تتمحور حول نقل السلطة من الأسد، وهي النقطة التي أدت إلى فشل المبادرات السابقة.  فعلى الرؤية السياسية الحالية أن تكون أكثر واقعية وتشمل ما يحدث على الأرض باعتبار النظام لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي بالمستقبل.

وترى المبادرة أن انتقال السلطة من يد النظام ليس ممكناً، فلن يقبل الأسد بالتفاوض على رحيله في مباحثات الأمم المتحدة، كما لا وجود لفرصة لعزله بالقوة أو حتى لقلب موازين القوى من أجل إجباره على خوض مفاوضات تمهد لمرحلة انتقالية، وقد أجهَضت تصريحات ترامب -التي جاءت في حزيران/يونيو 2017 وأفادت بوقف دعم الولايات المتحدة- حلمَ الثوار في الإطاحة بالأسد، لكن في الوقت الذي يقاتل فيه الثوار النظام في المناطق المعزولة، ولا وجود لأمل لهم بالنصر، فإنه أيضاً لا فرصة أمام الأسد باستعادة سيطرته الكاملة على البلاد.

ومع أنه من الواضح وجود عقبات ضخمة أمام ظهور محادثات ذات معنى بين السوريين عندما يكون نظام الأسد مهيمناً، لكن المعارضة أكثر عرضة لتحقيق مكاسب - ولو كانت متواضعة - من المحاولات الجارية من قبل النظام لانتزاع السيطرة الكاملة من خلال القوة الغاشمة.

آلية تنفيذ المقترح:

تتحدث المبادرة عن نهج سياسي وطني قابل للحياة، يتطلب الآن من المعارضة المحلية والجهات الفاعلة الخارجية العمل على استمرار الأسد في منصبه؛ ولكن، استناداً إلى الحقائق على أرض الواقع، يمكن لهذا النهج أن يسعى إلى تخفيف "سلطته القسرية" عن طريق تعزيز درجة من الحكم الذاتي المحلي في المناطق التي لا يسيطر عليها السيطرة الكاملة، ومع أن هذا أقلُّ بكثير من الكثير الذي لا تزال تطمح إليه المعارضة المتبقية؛ ولكنه قد يمثل الوسيلة الوحيدة لضمان شكل من أشكال الحفاظ عليها.

يعترف المسار المطروح في هذه المبادرة بسلطة الحكومة المركزية على كل البلاد، ويقترح البدء باندماج سلس للمناطق التي لا يسيطر عليها النظام، بما سيكون بمثابة استقلال للمعاقل التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة.

يتماشى نموذج انتقال السلطة المقترح هنا مع المطامع الأساسية للنظام، ويؤمّن شَدَّ انتباه الأسد نحو قبول إعادة الإدماج السلسة هذه للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمناطق التي ليست تحت سيطرة النظام، وإخضاعها لاحقاً للسلطة المركزية.

دور الدبلوماسية الأوربية:

تتحدث المبادرة عن "ثلاث مهمات" رئيسية للدبلوماسية الأوربية، طبعاً بالإضافة إلى الضغط على المعارضة، وإجبارها (إقناعها) على القبول بالمبادرة.

الأمر الأول: أنه يجب على الأوروبيين أن يكونوا موحدين وواضحين حول أن تخفيف التصعيد والاستقلال المحلي يمثلان الآن الخيار الأفضل، خاصة إذا كان مع زيادة الدعم الأوروبي لتحقيق الاستقرار، وفي ضوء انسحاب الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية، فإن الأوروبيين سيكون لديهم نفوذ متزايد مع المعارضة، والعمل على إقناعها بمزايا هذا النهج.

الأمر الثاني: أن التنسيق الأوروبي مع أنقرة، والرياض، والدوحة سيكون له أهمية، مع اعتراف هذه الدول المحورية بحتمية مشاركة الأسد في أي عملية مستمرة.

الأمر الثالث: أنه إلى جانب تثبيط الجهود الأميركية لمحاربة إيران في شرق سوريا، ينبغي أن تكون الدول الأوروبية الأعضاء في ISSG ( المجموعة الدولية لدعم سوريا ) واضحة مع الحكومة الإيرانية، بأن عدم التوصل إلى تسوية في سوريا سوف يعيق عملية تطبيع كامل للعلاقات مع إيران، ويغذّي التيارات المعادية لإيران في واشنطن.

 

العَـرض الأوربـي :

تقترح الدراسة أنه لإرساء درجة من المساعدة لتحقيق الاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها النظام يجب على الدول الأوروبية أن تقدم عرضا على الطاولة، يربط بين الدعم الاقتصادي والخطة السياسية لنقل السلطة. وأن هذا لا يعني التطبيع، وأن تمويل إعادة الإعمار لا ينبغي أن يأتي إلا على خلفية التسوية النهائية بين السوريين. ولكن إذا تم استيفاء المعايير السياسية، فإنه يمكن أن يشمل العرض بعض الدعم للانتعاش وتخفيف بعض العقوبات المفروضة على النظام، والتي تؤثر على قطاع واسع من السكان، مثل تلك التي تقيد المعاملات المالية.

ومع أن هذا العرض يسعى إلى الالتفاف على الأسد وروابط النظام المرتبطة به، ولو بشكل جزئي عن طريق الحفاظ على الدعم المرتبط مباشرة بالمشاريع المحلية، فإن النظام سيبقى يحاول إدارة هذه العملية بإحكام. ولكن هذا الثمن قد يكون يستحق الدفع إذا كان سيساعد في ترسيخ امتثال النظام وراء نهج مستدام لتخفيف التصعيد، الذي يفيد السكان على نطاق أوسع ويحمي المصالح الأوروبية.

 

ما الذي ستحصل عليه المعارضة؟

كجزء من هذا المسار المقترح، سيحصل الثوار على خارطة طريق رسمية واضحة تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة وتمنحهم درجة من الحكم الذاتي المحلي.

تقول الدراسة: بعد أكثر من ست سنوات من الصراع، هذا هو الآن أفضل ما يمكن أن نأمل تحقيقه في الواقع، وهذا الاستقلال الذاتي يعني أولاً وقبل كل شيء السيطرة الأمنية المحلية، بالطريقة التي يجري التفاوض عليها الآن في الاتفاقات المستقلة الناشئة. وسيشمل ذلك القيام بدور رائد في جهود مكافحة الإرهاب الجارية ضد الجماعات المتطرفة المحلية، ولكن على نطاق أوسع.

( تنتهي مبادرة الاتحاد الأوربي عند هذه النقطة )

 

قراءة نقدية :

لا يتطرق الأوربيون من قريب ولا من بعيد لبيان جنيف حزيران 2012، ولا لقرارات الأمم المتحدة، ولا لبيانات مجموعة الدعم الدولية في كل مبادرتهم، بما يعني الخروج التام عن مسار مفاوضات جنيف المبنية على هذا الأساس، وطرح رؤية جديدة تعتمد بشكل كامل على مخرجات مفاوضات أستانا، وقضية مناطق خفض التصعيد.

تنطلق المبادرة من مغالطة فادحة حين تتحدث عن خطأ وضع العملية السياسية كأولوية قبل وقف إطلاق النار، وهذا حقيقةً لم يجر أبداً في كل مفاوضات جنيف، فوفد المعارضة في جنيف 2 قدّم بتاريخ 9 شباط/فبراير 2014 ورقة المبادئ الـ 24 المتضمنة "اتخاذ خطوات فورية لوقف العنف المسلح"، وتلا ذلك التأكيد في كل الجولات اللاحقة على ربط المسارين العسكري والسياسي معاً، وتوضّح ذلك في القرار 2254 بالسلال الأربع الواردة فيه: الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب.

الأوربيون يعلمون هذا جيداً، لكنهم وضعوا هذه المقدمات للتملّص والتراجع عن هذه القرارات، ويريدون العملية السياسية لكن بعيداً عن جدول الأعمال الانتقالي الوارد في القرار 2254، لا بل يرون كما سبق "خطأ الاتحاد الأوربي في أن الإصرار على الربط بين خفض التصعيد وجدول الأعمال الانتقالي -الذي لا يزال الخط الأوروبي الرسمي -له نتائج عكسية، وفي الواقع، فإنه من المرجح أن يقوض أي مبادرة للتخفيف من حدة التصعيد"، وهم يستبدلون "عملية الانتقال السياسية"، بـ "مسار سياسي وطني"، وحين يُدخلون عليه كلمة "انتقال" يصفونه بـ "انتقال يراعي مصالح النظام"، و "أن أي عملية سياسية قابلة للاستمرار لن تتمحور حول نقل السلطة من الأسد"، وأن هذه هي "النقطة التي أدت إلى فشل المبادرات السابقة"، وأن الأسد لن يقبل بالتفاوض على رحيله في مباحثات الأمم المتحدة"، وأن هذه هي "الواقعية" التي يجب أن تتحلّى بها المعارضة في المرحلة القادمة.

المغالطة الثانية التي تنطلق منها المبادرة: أنها تنسب كل الانتصارات العسكرية على الإرهاب لمصلحة النظام، فيما هناك أطراف كثيرة تشارك في هذه الانتصارات، وعلى رأسها قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، والقوات التركية في مناطق درع الفرات، والمليشيات الكردية المدعومة أمريكياً، وحتى "الانتصارات" المتحققة عن طريق القوات الروسية والإيرانية وحزب الله اللبناني، والميليشيات الطائفية، لا يمكن نسبتها للنظام، فكل هذه القوات خارج نطاق سيطرته، وهو حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي سيعاني كثيراً في سبيل إخراج هذه المجموعات المسلحة من البلاد، وقد يدخل في حرب مفتوحة معها لاحقاً.

المعارضة السورية السياسية والعسكرية على حد سواء في ورطة حقيقية، ومعضلة غير مسبوقة، فالاتحاد الأوربي آخر "المتحوّلين" يلتقي الآن مع الخط الأمريكي والروسي، ويبدأ الدوران في فلكهما ككل الدول التي "تحولت" للدوران فيه سابقاً.

ما الذي يجب على المعارضة فعله؟

الذي أوقع المعارضة في هذه الورطة بكل بساطة هم "الأستانيون" الذين قبلوا بفتح مسار موازٍ لمسار جنيف القائم على أساس القرارات الدولية، والذي اكتسب شرعيته من الأمم المتحدة، فيما مسار أستانا يجري بعيداً عن جوهر القرارات الدولية، وتحت غطاء دولتين عدوتين محتلتين للبلاد روسيا وإيران، ويعترف بهما كدولتين ضامنتين، ويشرعن وجود قواتهما على الأراضي السورية.

المطلوب أولاً الانسحاب من هذا المسار، واعتبار أستانا 6 آخر محطة فيه، وليس هنا محل مناقشة "الأستانيين" حول بيانهم الأخير، ومكاسبهم الموهومة الزائفة التي حاولوا ترويجها على الشعب السوري، فلا إطلاق سراح معتقلين، ولا مساعدات إنسانية، ولا غير ذلك، فقط عبارة عن تمكين النظام من نقل قواته المتداعية من جبهة مهادِنة إلى جبهة متمردة للقضاء عليها، ثم العودة إلى هؤلاء المهادنين والقضاء عليهم بنفس الطريقة، هذا كل ما يفعله "الأستانيون" في ميادين الكفاح التفاوضي هناك.

الأمر الثاني: على المعارضة في مسار جنيف أن ترفض رفضاً قطعياً القبول بمناقشة بقاء بشار في منصبه في أي مرحلة من مراحل العملية الانتقالية، والأوربيون وغيرهم هم من عليهم أن يحملوا وزر هذه الخطيئة الأخلاقية والسياسية على حد سواء، فالحل والاستقرار في سوريا والمنطقة يبدأان من هذه المسألة، ونظام الأسد هو من صنع وجلب الإرهاب إلى سوريا، واستمراره يعني استمرار الحرب إلى أجل مفتوح، وانتشار للفوضى في المنطقة كلها.

الخـــــاتمـــــــة :

كلمة السر في هذه المبادرة أمران اثنان:

الأول: قبول استمرار الأسد حاكماً للبلاد، وإعادة بسط سيطرته على كامل مساحتها، وبنفس أدواته القمعية الوحشية العسكرية والأمنية.

الثاني: تحول المعارضة المسلحة من قتال النظام، إلى أدوات خادمة له مرحلياً في مكافحة الإرهاب بمناطق انتشارها، قبل إعادة الإدماج السلس لهذه المناطق وإخضاعها للسلطة المركزية في دمشق.